في حضرة الكلمة الحرة: الأغنية الملتزمة تُقاوم النسيان
في زمن تتكاثر فيه الأصوات وتتعدد فيه الأنواع الموسيقية بين التجاري والظرفي، تظلّ الأغنية الملتزمة - كما يصفها إلياس الساحلي، أحد مؤسسي فرقة عشاق الوطن - صوتًا للمواطن وقلبًا نابضًا بقضايا الشعوب.
في حوار مع الفنان الملتزم إلياس الساحلي الذي حلّ ضيفا على برنامج ''واحد من الناس'' مع شاكر بسباس، تتضح معالم هذا اللون الفني الذي وُلد من رحم الجامعات التونسية في ثمانينيات القرن الماضي، وتحدّى سنوات القمع والاستبداد، رافعًا راية الالتزام في الكلمة والموقف.
الكلمة أولًا… قبل اللحن
يرى الساحلي أن جوهر الأغنية الملتزمة يكمن في الارتباط الأخلاقي بالكلمة. فالكلمة في هذا السياق ليست مجرّد وسيلة تعبير، بل هي فعل مقاومة. يقول: "الالتزام في الأغنية الملتزمة هو التزام بالكلمة قبل أي التزام آخر". لذلك، فإن الكلمة تُختار بعناية، وتُناقش جماعيًا من قبل الشعراء والملحنين والمغنين، في عملية جماعية تشبه ورشة فكرية وفنية تُبنى فيها الأغنية كما يُبنى النص الثوري.
ولا يتردد الفنانون في مراجعة كلماتهم إذا لزم الأمر. فكما يروي، تم استبدال كلمة "ألغيت" بـ"أمهلت" في إحدى الأغاني، تجاوبًا مع تفاعل الجمهور، في دليل على أن الأغنية الملتزمة تعيش وتتطور مع محيطها.
قضايا المواطن… محور الأغنية
الأغنية الملتزمة لا تغني للفراغ. إنها تُعبّر عن مشاكل المواطن العادي: من الفقر والبطالة والغلاء، إلى الغربة والهجرة، فالأسرة، والسجن، والحرية، والكرامة. وتجد في أغاني "عشاق الوطن" تجسيدًا حيًا لهذه القضايا، حيث نجد أغانٍ عن الأم والأب، عن المساجين، عن مغتربي تونس، وعن الحالمين ببحر ينقلهم إلى "مكان أفضل" ولا يعودون منه.
ويخص الساحلي القضية الفلسطينية بمكانة مركزية في هذا المشروع الفني، حيث لا تكاد تخلو عروضهم من فقرة للدبكة الفلسطينية، وأغانٍ تُكرّم الأسرى في سجون الاحتلال.
مواجهة السلطة… ثمن الكلمة
في عهد نظام بن علي، دفعت الأغنية الملتزمة ثمن مواقفها. أغانٍ مثل "من قلب السجن أناديك" و"ولاد بلادي" لم تمرّ دون رقابة أو منع. النظام لم يرَ في الكلمات استعارات شعرية فقط، بل مواقف سياسية مباشرة. ويقول الساحلي إن استخدام تشبيهات مثل "الذئاب" و"العقارب" كان كافيًا ليُفسَّر على أنه تحدٍّ للسلطة.
التزام لا يتقادم
رغم التغيرات السياسية والرقمية، لا يرى إلياس الساحلي أن الأغنية الملتزمة فقدت بريقها. بل يعتبر أنها ما تزال تملك قوة التأثير والتوعية، شريطة أن تواكب الوسائط الحديثة وتبقى وفية لرسالتها.
لكن السؤال الذي يؤرقه اليوم: "لمن نغني؟".. ومع ذلك، يواصل وأمثاله الغناء، لأنهم يعرفون أن الأغنية الملتزمة ليست فقط صوتًا... بل ضميرًا جماعيًا لا يموت.
للاطلاع على الحوار كاملا يمكنكم مشاهدة هذا الرابط:
أمل الهذيلي